قبل يومين من موعد القمة المرتقبة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، في السادس عشر من الشهر الحالي، بدأت تظهر العديد من العلامات حول ما يمكن أن تحمله على مستوى الأزمة الأساسية في منطقة الشرق الأوسط، أي الحرب السوريّة الدائرة منذ ما يقارب سبع سنوات، مع ما تحمله من تداعيات على البلدان المجاورة، في ظل تفاقم أزمة النازحين.
على المستوى الدولي، من الواضح أن الرئيس الأميركي قرر الإستفادة من القمة لتوجيه رسائل إلى حلفائه الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، من خلال الإنفتاح على "عدوّهم" في موسكو، الذي بات يصنّفه ترامب بـ"لا صديق ولا عدو"، بينما يصف القمة مع بوتين بأنها ستكون الأسهل ضمن الجولة التي يقوم بها.
على الرغم من أن المعلن، بالعناوين العريضة، هو أن ترامب وبوتين ينويان بحث آفاق تنمية العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، وأيضاً مناقشة الموضوعات الراهنة على الأجندة الدولية، إلا أن الأكيد هو أن سوريا وأوكرانيا ستكونان على رأس جدول الأعمال بينهما، والدليل ما حصل على الساحة السوريّة من تطورات في الأيام الماضية، تمثلت باستعادة دمشق السيطرة على حدودها مع الأردن.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن ما حصل على المستوى السوري ما كان ليتمّ لولا رفع الغطاء الأميركي، بالإضافة إلى التعاون الأردني، في ظل المعلومات عن أن الولايات المتحدة تريد الإنسحاب من الحرب الدائرة هناك، لا سيما أن ترامب كان يعلن ذلك خلال حملته الإنتخابية، لكن في المقابل لواشنطن مصالح لا تستطيع التخلي عنها، مرتبطة بتوجهات حلفائها العرب، الذين يدفعون الأموال الطائلة مقابل "خدماتها"، وبأمن إسرائيل الحليفة الإستراتيجية.
ضمن هذه المعادلة، توضح المصادر نفسها، تأتي ما باتت تُعرف بـ"العقدة الإيرانية"، حيث الرغبة الأميركية العربية الإسرائيلية في تحجيم دور طهران الإقليمي، بعد أن أحرزت تقدماً على أكثر من ساحة، من العراق إلى اليمن وسوريا ولبنان، وتلفت إلى أن واشنطن لم تعد تمانع التسليم بأن موسكو هي اللاعب الأساسي على الساحة السوريّة، وبأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد بات خارج النقاش، لكنها في المقابل تريد "الثمن المناسب".
من وجهة نظر هذه المصادر، الترابط بين "العقدة الإيرانية" و"الثمن المطلوب" يظهر جلياً من خلال الزيارتين إلى موسكو التي قام بهما كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ومستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، حيث كان التأكيد الإسرائيلي بأن تل أبيب لا تنوي تهديد حكم الرئيس الأسد لكنها تطلب من الجانب الروسي إخراج القوات الإيرانية من سوريا، وهو ما تربطه طهران بموقف الحكومة السوريّة، التي هي كانت قد طلبت المساعدة منها، بينما موسكو تدرك جيداً أنها قد تكون عاجزة عن تحقيق المطلب الإسرائيلي، أو ربما لا مصلحة لها بتنفيذه في الوقت الراهن، لكنها بالمقابل تستطيع الوصول إلى حل وسط، يكمن في ما أصبحت تردده تل أبيب عن الرغبة في العودة إلى الحالة التي كانت قائمة قبل الحرب، أي الحفاظ على إتفاق الفصل من العام 1974، ما يعني أنها تريد إنهاء الحرب، بالنسبة إليها، على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، مع العلم أن سقف مطالبها كان يتراجع يوماً بعد آخر منذ بداية إستعادة دمشق التوازن على أرض المعركة.
بالتزامن، لا يمكن إغفال ملف آخر لا يقل أهمية عن الملف السوري، بحسب ما تؤكد المصادر السياسية المطلعة، هو ما بات يعرف بـ"صفقة القرن"، التي تنوي الولايات المتحدة عقدها على مستوى العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية، لا سيما أن واشنطن فقدت القدرة على التواصل مع السلطة الفلسطينيّة بعد قرار ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث تلفت إلى أن الرئيس الأميركي يراهن على دور من الممكن أن تقوم به موسكو على هذا الصعيد، لا سيما أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بدأ بزيارة إلى روسيا يوم أمس، من دون تجاهل ما يمكن أن يكون عليه الموقف السوري من هذه "الصفقة"، الذي تدرك الولايات المتحدة أنه حاسم إلى حد بعيد.
في المحصلة، تكتسب قمة "هلسنكي" أهميّة بالغة كونها تجمع بين القوّتين العظميَيْن على مستوى العالم، بالإضافة إلى أنها قد تتحول إلى قمة "الصفقات" الكبرى، من فلسطين إلى سوريا إلى اليمن وصولاً إلى لبنان، الذي ينتظر ما قد ينعكس من نتائج هذه القمة على أوضاعه الداخلية.